الدكتورة نادية عمارة: الداعية الإسلامية المصرية التي جمعت بين الفقه والتنوير

تُعد الدكتورة نادية عمارة من أبرز الأصوات الدعوية في مصر والعالم العربي في العقود الأخيرة، فقد استطاعت أن تدمج بين التكوين العلمي الأصيل والطرح العصري المعتدل، مقدمة نموذجاً للمرأة الداعية التي تخاطب وجدان الجمهور بلغة عصرية متزنة دون أن تتخلى عن الجذور الشرعية والمرجعية الدينية المتينة. هذا المقال يقدم سيرة موسعة وتحليلاً معمقاً لتجربتها الفريدة في مجالات الدعوة والإعلام والتعليم الشرعي، مع التركيز على إسهاماتها في تجديد الخطاب الديني وتمكين المرأة المسلمة من خلال المعرفة الدينية الرصينة.

النشأة والتعليم والتكوين العلمي

وُلدت الدكتورة نادية عمارة في مصر، ونشأت في بيئة محافظة شجّعت على طلب العلم الديني والتمسك بالقيم الإسلامية. منذ سن مبكرة، أبدت اهتماماً خاصاً بالدراسات الإسلامية، مما دفعها إلى الالتحاق بالأزهر الشريف، أحد أعرق المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي. وقد درست في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، قسم العقيدة والفلسفة، قبل أن تنتقل إلى المراحل العليا من التعليم، لتحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في تخصص العقيدة الإسلامية، مع التركيز على قضايا الفكر الإسلامي المعاصر.

تتميز دراساتها العليا بالتركيز على مواضيع ذات طابع تركيبي ومعاصر، مثل العلاقة بين الدين والدولة، وإشكالية الخطاب الديني في السياق الحديث، والمفاهيم العقدية في ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية، مما جعل منها مرجعية فكرية بالإضافة إلى كونها داعية.

المسيرة الدعوية والمهنية

انطلقت الدكتورة نادية عمارة في مسيرتها الدعوية من خلال العمل الأكاديمي والمشاركة في المنتديات الفكرية والشرعية، قبل أن تنتقل إلى مجال الإعلام الديني، حيث وجدت فيه منصة للوصول إلى شريحة أوسع من المجتمع. وقد عُرفت بأسلوبها المتزن والعلمي في الطرح، مما جذب إليها جمهوراً متنوعاً يشمل الرجال والنساء، الشيوخ والشباب على حد سواء.

شاركت في عدد من البرامج التلفزيونية والإذاعية، وظهر تأثيرها الأوسع من خلال برنامجها الشهير “قلوب عامرة” الذي يعرض على شاشة قناة “ON”، وهو برنامج ديني واجتماعي يسلط الضوء على القضايا الدينية المتداولة بأسلوب علمي عقلاني، ويتناول قضايا المرأة، الأسرة، والتربية، إلى جانب الإجابة على أسئلة الفتاوى بمرجعية شرعية واضحة.

أسلوبها في الدعوة: بين التيسير والعمق العلمي

من أبرز ما يميز خطاب الدكتورة نادية عمارة هو قدرتها على الجمع بين أصالة المرجعية الفقهية وبين تبسيط المفاهيم الدينية بما يناسب العصر الحديث دون تفريط أو تمييع. وهي تستند إلى مصادر الفقه الإسلامي الأربعة (القرآن، السنة، الإجماع، والقياس)، مع وعيها العميق بالسياق الاجتماعي والثقافي الذي يُطرح فيه السؤال أو الإشكال.

كما تتبنى منهجاً وسطياً ينسجم مع المدرسة الأشعرية في العقيدة والمذهب الفقهي المالكي أو الشافعي، مع تأكيدها على أهمية احترام تعدد الآراء داخل الفقه الإسلامي، ما يعكس نضجاً علمياً ووعيًا بقضايا الاختلاف الفقهي.

دورها في تمكين المرأة المسلمة

تولي الدكتورة نادية عمارة اهتماماً خاصاً بقضايا المرأة المسلمة، ليس فقط من خلال برامجها، بل في خطاباتها ومقالاتها وندواتها المختلفة. فهي ترى أن المرأة المسلمة ليست متلقية سلبية للنصوص، بل هي فاعل اجتماعي وشريك في بناء المجتمع الإسلامي المعاصر، وأن الجهل بالتشريعات الإسلامية الحقيقية سبب رئيسي في الممارسات السلبية ضد النساء في بعض المجتمعات.

تناولت عبر منابرها الإعلامية العديد من المواضيع الحساسة مثل حق المرأة في التعليم والعمل، حقوق الزوجة، الطلاق، الميراث، الحضانة، وضوابط الحجاب، مع عرض أدلة شرعية متينة ترفض التمييز ضد المرأة باسم الدين، وتؤكد أن الإسلام جاء ليكرم المرأة ويمنحها كرامتها الإنسانية الكاملة.

مشاركاتها الأكاديمية والمجتمعية

بالإضافة إلى العمل الإعلامي والدعوي، تساهم الدكتورة نادية عمارة في عدد من المؤتمرات والندوات المحلية والدولية المتعلقة بتجديد الخطاب الديني، والفكر الإسلامي المعاصر، والمرأة في الإسلام. كما تحرص على تقديم دورات تدريبية في علوم الشريعة موجهة للنساء والفتيات، بهدف رفع الوعي الديني وتمكين المرأة من التفاعل الواعي مع النصوص الدينية.

تشارك أيضاً في إعداد بحوث أكاديمية وتنشر مقالات دورية في مجلات علمية ودعوية، تتناول قضايا العقيدة والفكر الإسلامي من منظور علمي تأصيلي.

حضورها الإعلامي والتأثير المجتمعي

يشكل برنامج “قلوب عامرة” نافذة رئيسية لحضور الدكتورة نادية عمارة في الإعلام، ويتميز البرنامج بالاعتماد على الفتاوى المباشرة، وشرح المفاهيم الإسلامية بطريقة تجمع بين البساطة والعمق. وقد اكتسب البرنامج شهرة واسعة نتيجة أسلوبها الهادئ والصريح، وتقديمها لإجابات دقيقة تنطلق من منهج أهل السنة والجماعة مع انفتاح على الفقه المقاصدي الذي يراعي المصلحة العامة ورفع الحرج عن الناس.

كما أن ظهورها في برامج حوارية واجتماعية ساهم في تعزيز صورتها كشخصية علمية متزنة، قادرة على الدخول في نقاشات فكرية مع أطياف متعددة من المثقفين والمتخصصين، دون أن تفقد خطابها المتزن أو تُفرّط في المرجعية الدينية.

مواقفها الفقهية وتجديد الخطاب الديني

من النقاط البارزة في سيرة الدكتورة نادية عمارة هو موقفها الإيجابي من تجديد الخطاب الديني. فهي ترى أن التجديد لا يعني التبديل أو المساس بالثوابت، بل هو إعادة تقديم المفاهيم والقيم الإسلامية بلغة تتناسب مع العصر وتفهم متغيراته. وقد دعمت مبادرات الدولة المصرية في هذا المجال، مشيرة إلى ضرورة تنقية الخطاب الديني من التفسيرات المغلوطة والبعيدة عن جوهر الشريعة.

وقد دافعت عن الفتاوى التي تراعي تغير الزمان والمكان والأحوال، مثل الفتاوى المتعلقة بتنظيم الأسرة، مشاركة المرأة في الحياة السياسية، تنظيم الطلاق والخلع، ومسائل الإرث، معتبرة أن الفقه الإسلامي مرن ومتجدد بطبيعته، وقادر على التفاعل مع الواقع المعاصر.

أهمية تجربتها في الإعلام الديني النسائي

تُعد تجربة الدكتورة نادية عمارة نموذجاً مهماً للإعلام الديني النسائي، حيث استطاعت عبر أكثر من عقد من الزمن أن تُقدم خطاباً دينياً نسائياً متماسكاً وعقلانياً، بعيداً عن الأسلوب العاطفي أو الموجه لجمهور النساء فقط، بل خاطبت عبره جمهوراً واسعاً من المهتمين بالمعرفة الشرعية.

وقد شجعت هذه التجربة على بروز نماذج نسائية أخرى في مجال الدعوة، وأسهمت في تغيير الصورة النمطية عن الداعية المرأة التي كانت مقتصرة على حلقات الذكر أو العمل الخيري الضيق، لتُصبح شريكاً فاعلاً في الفضاء العام، وفي تشكيل الوعي الجمعي بقضايا الدين والمجتمع.

جدول يوضح أهم محاور خطاب الدكتورة نادية عمارة في الإعلام

التقدير المجتمعي والإرث العلمي

تحظى الدكتورة نادية عمارة بتقدير واسع في الأوساط الدعوية والعلمية، وقد كرمتها العديد من المؤسسات الدينية والثقافية داخل مصر وخارجها، تقديراً لإسهاماتها في نشر الوعي الديني المستنير، ولدورها في تعليم وتثقيف المرأة المسلمة. وهي تُعتبر قدوة لعدد كبير من النساء والفتيات الطامحات للالتحاق بمجال الدعوة والإعلام الديني، ليس فقط لما تتمتع به من علم ومعرفة، بل لأخلاقها العالية وتواضعها في التعامل مع الجمهور.

الخلاصة

تُجسد الدكتورة نادية عمارة نموذجاً فريداً للداعية الإسلامية المعاصرة التي تجمع بين التأصيل العلمي، والإلمام بقضايا العصر، والتواصل الفعّال مع الجمهور من مختلف الشرائح. فهي لم تكن مجرد فقيهة تنقل النصوص، بل مثقفة دينية عصرية تسعى لتجديد الخطاب دون تفريط، وتمكين النساء دون تهور، والموازنة بين الأصالة والمعاصرة في كل ما تطرحه من فكر ودعوة. تجربتها تُمثل إضافة نوعية للمشهد الدعوي والإعلامي في العالم الإسلامي، وتستحق التوقف والتأمل والدراسة العميقة.

المراجع:

1. برنامج “قلوب عامرة” – قناة ON.

2. دراسات منشورة في مجلة الأزهر ومجلات دعوية مصرية متخصصة.